logo

أن المتابع للأنباء يجد أن الأحداث تتوالي بوتيرة سريعة نحو التأزم والانفجار، وقبل أن ينخفض آثار الغبار الكثيف التي أثارته التسريحات الحاد من قبل أطرف السلام والحرب معا واقصد هنا المؤتمر الوطني والحركة الشعبية في سماء السياسة الملبدة...

بغيوم الخلافات التي لا تنتهي أصلا بينهما، يزداد الطين بلة من خطاب مستشار رئيس الجمهورية للشئون الخارجية الدكتور إسماعيل وهو الوزير السابق لخارجية السودان والممثل لعلاقاته الدبلوماسية في تلك الأوقات، والتي وجه فيه الاتحاد الوطني للشباب السوداني وهي واجه هامة من الواجهات التي من خلاله تم تمويل الحرب الأهلية السابقة بالمجاهدين الشباب اللذين كانوا يسمون دبابين، والذي وجه فيه برسالة مفادها ( الاستعداد للحرب والجهاد القادم ضد الجنوبيين إذا ما صوت شعبه في الاستفتاء القادم للانفصال).

ورغم أن الأمر وجد عدم القبول والتأيد من الاتحاد إلا انه لفت الانتباه إلي أن الرأي السياسي داخل بعض أروقة المؤتمر الوطني و المتمثلة في بعض قيادات الحركة الإسلامية لديها النية المبيتة لإشعال نار الحرب مرة أخري وفي هذه الحالة فأنهم يعملون علي تعبئة الشمال المسلم ضد دولة الكفر المسيحية في الجنوب كما يزعمون، وذلك من اجل توحيد كل الشمال الجغرافي ضد الجنوب الجغرافي والبشري بهدف توحيد أهل القبلة(حسب توجهات آهل الانتباه وأقرانهم في منبر الظلم الشامل لكل ما هو غير عربي) كما حدث في الحرب السابقة قبل توقيع اتفاقية السلام.

ولان المؤتمر الوطني يحاول إصلاح ما بداء يراه خطأ في قبوله لمبدأ تقرير المصير مع الحركات المنشقة عن الحركة الشعبية حينذاك (د.رياك في الخرطوم للسلام، ود.لام في فشودة) والتي كان يتزعمه الراحل المناضل الشهيد د.جون قرنق والذي أقامه لسحب البساط من تحت المعارض الشمالية والتي وقعت حينذاك مع الحركة الشعبية في اسمرا باريتريا اتفاقية اسمرا للقضايا المصيرية والتي فيها قبل المعارضة السودانية حينذاك (التحالف الوطني للأحزاب السودانية المعارض بزعامة مولانا احمد عثمان الميرغني) تلك المبدأ آلا وهو القبول بتقرير المصير لجنوب السودان وبالتالي أصبح بند تقرير المصير كرت ضغط من الحركة الشعبية لحكومة المؤتمر الوطني في مفاوضات مشاكوش والتي انتهت بنفاشا، مقابل قبول الحركة الشعبية لإسلامية الشمال(تطبيق الشريعة في الشمال) وعلمنة الجنوب(علمانية الجنوب) فقط، وعلي اغلب الظن كان المؤتمر الوطني يلعب علي كرت العمل علي إحداث اختراق للحركة وإضعافه ومن بعد ذلك التنصل عن الاتفاقية ومن ثم فرض واقع خرق الاتفاقيات التي تعود المؤتمر الوطني علي عمله مع كل من وقع معه اتفاقية وأخرهم حركة مناوي الدار فورية، وذلك إما عن طريق إذابة تلك المجموعات فيه أو تفتيتها إلي كيانات ضعيفة لا تقوى علي مجارته ومقاومته. ولكن كان الحركة الشعبية اشطر منها بكثير حيث كان قد استفاد من تلك الدروس (رؤوس الأحزاب والحركات الاخري المتناثرة علي طاولة الاتفاقيات القديمة) فوضع اتفاقية موقوتة ببنود كل بند يليها بند أخر موقوت بمعاد محدد و علي الترتيب مما أربك الحسابات التي وضعها المؤتمر الوطني، وبالتالي فانه الآن يبحث عن فرص يعود بها إلي مربع الحرب فاختار قادته لغة التحديد للجنوبيين تارة وتارة أخري الترغيب ومن ثم تعود إلي أسلوب الترهيب.

ولكن ما لا يعلمه المؤتمر الوطني هو أن هذا الاتفاقية والتي عرف باتفاقية السلام الشامل لم يكن كالاتفاقيات السابقات والتي وقعها مع الحركات الأخرى من غير ضمانات تذكر ، فان هذه الاتفاقية موقع بضمانات دولية وإقليمية وبحضور الأمم المتحدة، مما يجعل من الصعوبة بمكان المحاولة التلاعب به من قبل أي كان سوء المؤتمر الوطني أو الحركة ، فان هذا الاتفاقية ملزمة لهما كطرفا الاتفاقية وعليهما توصيله إلي بر الآمان ويتركا القرار للشعب الجنوبي بان يقرر مصيره بكل أريحية بعيدا عن المناكفات التي لا تجدي. إن الشمال إذا فعلاً أراد وحدة حقيقية للسودان وليس طمعاً في موارد الجنوب كمال قال صرح بذلك الآمين العامة للحركة الشعبية ، عليه أن يترك الشعب الجنوبي وشانه وان يعمل علي إعادة النظر في الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلي ترجيح كفة الانفصال علي كفة الوحدة ، وذلك لان الوحدة هدف كل الشعب السوداني في شماله وجنوبه ولكن بان يكون بعيد عن لغة التعالي والعنصرية والتفضيل العرقي والديني والعدل والمساواة بين أبناء الوطن الواحد، وحينها سيجد الشمال أن الجنوبيين أول من سينادون بالوحدة الطوعية قبل الشمال ، ولكن لن يقبل الجنوبيين بدولة يعتبرون فيها أناس لا حقوق لهم ينظر إليهم نظرة دونية وكأنهم ليسوا بشرا من ادم وحواء ،أو بأنهم أناس ليس لديهم كرامة بشرية كسائر خليقة الله من البشر،يجب علي القادة في الشمال واللذين يدقون طبول الحرب الآن أن يعلموا أن الحرب القادم لن يكون فيه رابح بل الكل سيخر و سوف لن يوجد مرة أخرى ما نسميه الآن بالسودان سوء في الشمال أو الجنوب بل سيتجزأ إلي دويلات وممالك متصوملة تقضي علي الأخضر و اليابس، وان الصرع سيمتد إلي كل بقاء السودان وان الرهان علي أن المجموعات العرقية في الجنوب سيتناحر فيما بينها فانه رهان باطل لان الشمال جرب تلك الحروب السابقة وكيف أن الجنوبيين كانوا متوحدين من اجل الأرض والوطن وهكذا سيكون الحال حالما عاد نزر الحرب مرة أخري.

ولكن ما لا يعلمه الشمال الآن، هو أن الشمال لم يعود كسابق عهده بل قد جرت مياه كثيرة تحت الجسر الشمال وان الحال قد تبدل وذلك لان دوام الحال من المحال ، فألان هناك النيل الأزرق وجبال النوبة ودارفور والشرق وأيضا هناك بؤر في الوسط سينفجر لانهيار مشروع الجزيرة وكل هذا الأمور قنابل موقوتة ينتظر من يلمسها حتى تنفجر في لحظة ، إذا أمر الحرب ليس بالسهل والحين كما يخطط له بعض الزعامات في المؤتمر الوطني، بل سيكون فاتورته أكثر تكلفة من فاتورة السلام إذا أراد البعض استغلاله ، وجر البلاد إلي أتون النار مرة أخري والي هاوية عميقة لا قاء لها وان لظى جحيمها سيحرق الجميع ، كما أن المحكمة الجنائية الدولية لها أجندة والتي سيتفاقم ضد الرئيس متى ما أعلن حرب جديد في الجنوب، وهل هو ناقص؟

إذا علي الشمال المسلم( كما يزعم أهل المنبر) أن يكون أمينا في طرح أمر الوحدة وان لا تجعل منها أكذوبة يدقدق بها علي مشاعر الشعب السوداني، وهنا أوجه رسالة لكل الأحزاب السياسية الجنوبية وقادة الفكر الجنوبيين انه حان الوقت للنظر بأمانة لمستقبل الجنوب لان المرحلة القادم بها منعطف خطير وعلي قيادة الركب أن يحترس عنده، فان قطارنا سينحرف عن مساره ، اذا لم يحسن الإمساك بدف القيادة وحينها سيصعب إيقافه والعودة إلي المنعطف الأول ،لذا علي حكومة الجنوب الإسراع في عقد مؤتمر الحوار الجنوبي مع كل الأحزاب دون فرز وحتى الإخوة في المؤتمر الوطني يجب دعوتهم للمشاركة لان الشمال لم يستثني احد من تجريد الجنسية الشمالية أذا حدث الانفصال و أيضا منعه من حقنة كمال عبيد وهو أيضا أي الجنوبي المسلم أو المسيحي في المؤتمر سيكون غير محصن ضد جهاد إسماعيل لأنهم حتى لو كانوا مسلمين فأنهم مازالوا جنوبيين عندهم ، وعلي الحكومة حل كل النعرات القبلية والعمل علي المصالح بين كل القبائل في الجنوب من اجل بناءة دولة الجنوب، والتي نريدها دولة معافى من كل الأمراض التي تولدها القبلية البغضاء، اللهم إني قد بلغت فاشهد، ولكل شعب الجنوب التحية والإجلال وانتم تستعدون لآفاق جديدة من الحرية بعد نضال ضد الهيمنة والعنصرية الدينية البغيضة والظلم والعزاب وأيضا تعدون أنفسكم للانتقال إلي رحاب الحرية والعدالة والمساواة، عاش الجنوب امة آبية وخالدة إلي الآبد، وعاش نضال الشعب الجنوبي والله من وراء القصد.