logo

ما فتي الوقت يجري بسرعة البرق وتتناقص الأيام حيث بداء العد التنازلي علي استفتاء جنوب السودان، ولكن الأمر المدهش هو التصريحات النارية التي تخرج تارة من قيادات عليا داخل الحركة الشعبية وتارة أخرى من قيادات مؤثرة داخل المؤتمر الوطني وهما الطرفان اللتان وقعا على اتفاقية السلام الشامل في ضائعة نفاشا في التاسع من يناير من العام 2005 حيث أسدل الستار علي الحرب الأهلية الضروس التي وقع بين شطري القطر الواحد.

ومن أهم استحقاقات تلك الاتفاقية والتي شهد عليه أركان وقوى دولية مؤثر كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والنرويج كانت إجراء الانتخابات العامة بعد ثلاث سنوات من التوقيع علي الاتفاقية ومن ثم يصحب استفتاء علي تقرير مصير شعب جنوب السودان في التاسع من يناير في العام القادم. إلا أن الخلافات بين شريكي الحكم في الشمال والجنوب حال دون إكمال كل الترتيبات الخاصة بالاستفتاء وخاصة قضايا الحدود بين الشمال والجنوب ،وتحكيم لاهاي في آبيي،ومن ثم قضايا ما بعد الاستفتاء سوء كان النتيجة وحدة وهو أمر مستعبد في خضم ما يجري الآن في الجنوب في التعبئة للانفصال وهو الأمر المرجح كما صرح بذلك السيد آمين الحركة الشعبية فاقان اموم في احد مقابلاته بتلفزيون جنوب السودان.

هذا إلا أن الأمر ازداد سخونةً عندما أعلن الحركة الشعبية متمثلة في وزير الشئون البرلمانية أن موقف الحزب بات من الواضح انه تأييد مبدءا الانفصال كخيار للحركة الشعبية كحزب و آما الحكومة في الجنوب سيكون موقفه التحايد! ولكن سرعان ما جاء رد ساخن من احدي الوزراء الاتحادين وهو وزير الإعلام حيث أعلن انه إذا صوت شعب جنوب السودان بالانفصال فانه سيتم سحب الجنسية السودانية من الجنوبيين في الشمال وبالتالي لن يتمتع أي جنوب بآي حقوق له في الشمال بما في ذلك الملكية والعلاج وغيرها، مما أثار جدلا كثيفا وغبارا عالقا في سماء السياسة لم ينتهي أثره بعد!!.

إن هذه التناقضات و التي يسبق فيها قادة الحزبان الحاكمان في الشمال والجنوب ومن دون مسؤولية وعدم التفكير لنتائج ما يذهبون إليه من حديث يجعل المواطن السودان وبصفة خاصة المواطن الجنوبي في الشمال في حيرة تامة من أمره وفيما يخبيه المستقبل له في مقبل الأيام، وهو الآن في مطرقة تسريحات قادة الحركة الشعبية في الجنوب وسدان ردود أفعال المؤتمر الوطني في الشمال، أن تكوين دولة الجنوب الوليد هي رغبة كل جنوبي أي كان وجوده،ولكن هذه الدولة هي قرار يتخذ المواطن وفقا للحقوق التي كفله له اتفاقية السلام الشمال، وعليه فان الاتفاقية هي التي نصت علي تقرير المصير لشعب جنوب السودان، وذلك من خلال استفتاء عام يصوت فيه الشعب ليعبر عن رغبته !هذا فانه ليس من حق أي شخص أي كان أن يدعي انه الذي أعطي هذا الحق وبالتالي يجب تحقيق ما يريده هو وإلا سيخر الجنوب امتيازاته في الشمال.إن مثل هذا التصريح ينم عن شئ واحد هو نبرة التعالي التي ينظر به بعض الشماليين للمواطن الجنوبية وهو ناسي ماهي الأسباب التي سيجعل الجنوبي يميل إلي الانفصال.

أليسا تلك التعالي ونهج النقاء العرقي الذي يعتقد هو و الذين يدعون للعنصرية واستغلال عنصر الدين للتمييز بين الناس إحدى الأسباب المباشرة لاندلعا الحرب في الجنوب؟ وحتى في الدين الواحد فان التمييز يتم علي أساس اللون والعرق وما يدور في دارفور خير دليل علي ذلك إذ أن الدين لم يسعف الدار فوريين وينجيهم من القتل والتشريد،كما أن عدم قبول الآخر كما هو، والعديد من الأمور الذي يمارسه الشمال ضد الجنوب والنظرة التحقيرية لإنسان الجنوب علي انه متخلف ومتأخر ولا يستحق أن يتساوي مع الشمالي في كل شئ فهل الوزير يرى انه إذا هدد الجنوبيين من تحريمهم من الحقوق الأساسية سيغير من رأييهم في الانفصال إذا كان هو الضمان لهم ليتمتعوا بالحرية في بلادهم.

إذا أراد الشمال الوحدة لماذا لم يقبلوا بحلول توفقيقة يكفل الحقوق للجميع في دولة لا دينية يتمتع فيه الجميع بكافة الحقوق الدينية والمدنية دون اقاحم الدين في الحياة العامة للناس، فان المواطنة هي أساس الحقوق، وان كل شخص له الحرية التام ما لم يتعدي حقوق الآخرين لذا فان مثل هذا التصريحات يزيد الضغائن والأحقاد بين أبناء القطر بدالا من وترسل رسائل سالبة لا تبني الثقة المفقودة أصلا بين أبناء هذا القطر.

ولكن رغم أن تصريحات الوزير مدان إلا أن الإخوة في الحركة الشعبية أحيانا يرتكبون بعض الاخطأ عندما يقدمون علي تصريحات من غير التحسب علي العواقب التي تنجم عن ما سيقولون، كما أنهم لا يضعون أي اعتبار للجنوبيين اللذين يسكنون الشمال وكأنهم ليسوا بأبناء الجنوب وعليه فعلي الحركة الشعبية كحزب حاكم في الجنوب تهيئة ألاجوا في الجنوب والبدء في إجراءات العودة الطوعية للجنوبيين من الشمال إلي الجنوب لان الشمال لن يكون أمنا في وقت الاستفتاء وان يعمل قادة الحركة الآن وليس غدا علي طي الخلافات مع الاحزب الاخري والعمل كيد واحد من اجل ضمان وحدة الجنوب وحل كل المشاكل الحدودية بين الولايات والمقاطعات حتى يعود الجميع إلي مناطقهم وتوفير الآمن في كل بقاء الجنوب ، فان تقرير المصير حق شعبي وليس ملك للحركة لذا علي الحركة ترك الآمر للشعب ليقرر مصيره وان تلتفت فقط لتطبيق الاتفاقية كما هي دون الدخول في احتكاكات مع المؤتمر الوطني لأنه أي المؤتمر الوطني يراقب الثغرات ليغرق بها الاتفاقية ومادمنا قد اقتربنا من نهاية المشوار يجب أن نكون حكماء ونتوخ الحزر في التصريحات فان الشعب الجنوبي ليس بالغبي ليختار اختيار خاطئ في تقرير مصيره رغم انه خيار له الكثير من التبعات الصعبة ولكنه رغما عن ذلك فانه فرصة لن يتكرر لذا يجب علينا أن لا نضيعه ونعود إلي مربع البداية.

لكن ما أريد قول هو انه علينا أن نعمل علي بناء علاقات جيد مع الشعب في الشمال لأنه مهما حدث الانفصال فإنهم إخوة لنا ولقد شارك بعضهم معنا في النضال ولا نسي أخونانا في النيل الأزرق ،جبال النوبة و في منطقة آبيي، امنيانتنا أن نتجاوز مرحلة الاستفتاء بسلام وأمان وان يقبل الجميع النتائج في جو من الحرية والديمقراطية بغض النظر عما تعول إليه سواء كان الوحدة أو الانفصال.